وكان موضوع الملتقى عن الإعلام والتنمية، حيث شارك في هذا المتلقى عدد من الوزراء ومسؤول الإعلام والقيادات الصحافية في الوطن العربي. حيث وصلت الدعوات التي وجهت لشخصيات من خارج الكويت أكثر من مائتين وخمسين دعوة للمشاركة أو الحضور. وقد أسعدني كثيراً أن بعض هذه الدعوات كانت موجهة لطلاب وطالبات الإعلام في بعض كليات الوطن العربي.. وكان الزميل الأستاذ ماضي الخميس أمين عام الملتقى هو المحرك الأساسي لنجاح هذا الملتقى والملتقيات الخمسة السابقة. وقد واكب هذا المتلقى مستجدات واقع الإعلام العربي، وتفاعله مع ظروف وتأثيرات الاقتصاديات العالمية، ومعايشته لأزمات المؤسسات الإعلامية، وعرضه لموضوعات وقضايا محورية في مضامين وبناء المنظومة الإعلامية في الوطن العربي..
ولأهمية بعض النقاط التي ذكرتها في حفل الافتتاح، يسعدني أن أذكر بها وهي تعبر عن جوانب كنت أراها عن موضوع دور الإعلام العربي في التنمية.. فهو موضوع كنا نحسب أننا تجاوزناه فكرياً وسياسياً وأكاديمياً وإعلامياً، حيث لم يعد ضمن اهتمامات البحث والدراسة والممارسة، ولكن يحمد لهذا المتلقى أن يعيد مفردة الإعلام والتنمية إلى ذهنية المشاركين وإلى اهتمامات الإعلاميين العرب، وكانت بعض كليات وأقسام الإعلام في الوطن العربي قد أسقطت موضوع الإعلام والتنمية من مفردات مقرراتها رغم أهمية الموضوع، ومحورية تأثير الإعلام على كافة الصعد المجتمعية.. ولكن مثل هذا الملتقى يقوم بإعادة اكتشاف هذا المفهوم من جديد في ظل متغيرات التقنية ومستجدات الظرف الكوني الطاغي.. ونتيجة الضغط المؤسسي الداخلي على وسائل الإعلام الوطنية ليس فقط في الوطن العربي، ولكن في العالم النامي بأكمله..
ويجب أن نفرق في ذلك بين الإعلام التنموي، وبين التنمية الإعلامية.. فوطننا العربي الكبير قد حقق نجاحات كبيرة على صعيد تنمية الوسائل الإعلامية، فلدينا في الوطن العربي مؤسسات إعلامية ناجحة ومتطورة ومواكبة لتقنيات الاتصال العصرية، ولكنها لا تزال تحت محك النجاح في موضوع ومفهوم الإعلام التنموي.. فلا نعرف كثيراً هل حققت رسالتها التنموية، أم أنها أسقطت دورها ولم تعد التنمية ذات اهتمام، واستبدلتها بمفردات ستار أكاديمي، والوادي، ونجوم الفن، والرابح الأكبر، وتقليعات ال MTV وبرامج الخصام والتفريق والفضائح، ومسلسلات الإثارة، وتلفزيون الواقع (المؤلم)، ومصطلحات الجنس والسحر والشعوذه، ودخلنا عالم تفكيك القبيلة والدولة، والوحدة الوطنية، وشرعنا في تفريخ جيل غريب عن عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا.. وبدأنا نكتشف الآخر قبل الذات، ونستنجد بحلول الخارج، ونقمع التأصيل الداخلي، ونظهر كصفحات وشاشات ملونة في شكلها الخارجي بيضاء في مضمونها المحلي..
ليس غريباً أن يقترن الإعلام بالأزمات، فهو يعيش في كل يوم، بل في كل لحظة، في كل خبر، في كل برنامج، في كل شخصية، في كل مضمون أزمة.. أزمة من المؤسسة الإعلامية، أزمة مع المجتمع، أزمة أحيانا مع مؤسسات رسمية، أزمة مع الشركات والمؤسسات التجارية.. ولهذا فكل قرار إعلامي يكون عادة مقروناً بأزمة، إما أن تكون أزمة حاضرة، أو أزمة مؤجلة، أو أزمة معلنة، أو أزمة مستترة.. وقد تناولت إحدى الجلسات موضوع (أزمة رئيس التحرير)، وشارك فيها عدد من رؤساء تحرير صحف عربية، وتغيب عن الجلسة رئيس تحرير مطبوعة سعودية نظراً لارتباطاته الرسمية.. وجميع مشاركات رؤساء التحرير كانت تركز على أزمات غير مباشرة مع المؤسسات الرسمية والمدنية في دولهم، لكن الحضور المتخصص حاول أن يضع النقاط على الحروف ويشخص أزمات رؤساء التحرير مع مختلف المؤسسات بشكل واضح ودقيق. كما تناولت جلسة أخرى موضوع الجمعيات والنقابات الصحافية في العالم العربي، ولم يحضر ممثل سعودي عن جمعية الصحافيين السعوديين ضمن المشاركين الرسميين، وكان المشاركون المحاضرون يتجهون إلى تأكيد دور هذه الجمعيات في العمل الإعلامي الوطني، بينما يرى الحضور أن كثيراً من هذه الجمعيات لم تقدم أبسط متطلبات تأسيسها، مثل الدفاع عن حقوق الصحافيين.
وأخيراً، بدأ هذا الملتقى على استحياء في استقطاب المؤسسات الأكاديمية الإعلامية، وهذه بادرة جيدة، ونرجو أن تكون مشاركاتهم القادمة بدراسات معمقة، وبرؤى فلسفية عن واقع الحراك المجتمعي وتأثيره على الإعلام، وتأثير الإعلام على المجتمع..